أهمية الخلايا الجذعية
و استخداماتها الهائلة في مجال الطب و العلاج
اذا كان الانسان يعانى
من أحد الأمراض المزمنة التي و بكل أسف لا علاج منها كالفشل الكلوي أو الكبدي ، مرض
السكرى أو تلف أحد صمامات القلب ، من هنا يعلن الكبد خروجه عن الخدمة و تندد الكلى
مطالبة بالتغيير، فلا يكون هناك بديل صحى و مضمون سوى عمليات زرع الاعضاء و هنا تكمن
المشكلة. عمليات زرع الاعضاء في حد ذاتها مشكلة معقدة بداية من ايجاد متبرع تنطبق عليه
متطلبات التبرع الى احتمالية رفض الجسم للعضو المنقول إليه.
على الرغم من أن عمليات
زراعة الاعضاء هى الحل الامثل في نظر العامة الا ان اتخاذ قرار الزرع ليس هو النهاية
السعيدة لرحلة عذاب المريض . اذا تقرر زرع عضو ما في جسم المريض لابد أولا أن يوضع
على قائمة انتظار طويلة لا يعلم متى يحين دوره فيها، فهناك غيره المئات الذين ينتظروا
توفر نفس العضو، هذا بخلاف الضوابط الاخلاقية و الدينية اتى تضعها بعض الدول حتى الان
على شرعية عمليات زرع الاعضاء مما يزيد الامور تعقيدا، و من ثم موت المريض لا محالة.
حتى و اذا توفر عضو جاهز للزرع فمازالت هناك العديد من القيود التي تفرضها زراعة عضو
غريب في جسم المريض. بعد عملية الزرع يبدأ الجسم في ادراك وجود عضو غريب فيعطى أوامره
للجهاز المناعي بأن يهاجم العضو الغريب و يقضى عليه. ما أن يتلقى الجهاز المناعي الامر
يطلق الاجسام المناعية التي تتعامل مع هذا العضو البرئ على أنه بكتريا ضارة أو فيروس
قاتل فتقاتله بضراوة. و من هنا يبدأ الاطباء في الخطة الدفاعية الا و هي استخدام مثبطات
للجهاز المناعي و التي بدورها توقفه عن العمل ليعود الى ثباته العميق حتى اذا ما تعود
الجسم على عضوه الجديد وما أن تعقد معاهدات السلام ما بين العضو الجديد و الجهاز المناعي
يوقف الاطباء هذه المثبطات. هل تظن أن هذه هى النهاية؟ لا أنها مجرد بداية...قد يبدأ
العضو بالعمل بهمة و نشاط كأنه جديد و لكن يبدأ هذا النشاط بالتدهور على المدى الطويل
و تسقط معاهدات السلام ما بين العضو المزروع و الجهاز المناعي و تنتهى هذه الحرب الطاحنة
بخسائر فادحة تودى في النهاية بحياة المريض. كان لابد من أيجاد حل لوقف معاناة المريض
و ايجاد سبيل لحل المشكلة من جذورها، قد يكون الحل مازال قيد التطوير الا انه يحمل
في طياته الامل في العلاج..."الخلايا الجذعية".
قد ينصب على رؤوسنا الان
وابل من الاسئلة :من أين تأتى هذه الخلايا
السحرية و ما الذى يميزها عن غيرها من الخلايا ؟ و لما كل هذا الاهتمام العجيب
بها؟ أقول مهلا سوف نجيب عن الاسئلة تباعا. أولا من أين تأتى الخلايا الجذعية؟ سوف
أخبرك فتندهش أنك انت نفسك كنت عبارة عن مجموعة من الخلايا الجذعية عند عمر 5 ايام
داخل رحم أمك!! نعم فى بداية حياتك كجنين تكون عبارة عن كتلة صغيرة من الخلايا الجذعية
غير محدد المعالم فلا نستطيع أن نشير الى أعضائك فنقول هذا قلبك و هذه عينك و هذا لسانك
و هكذا و لكن ما يتكون لك من أعضاء فيما بعد فالفضل فيه يرجع الى الخلايا الجذعية فهي
التي تتحور و تتحول الى كل انواع الخلايا و الاعضاء فى جسدك . و بما ان هذه الخلايا
العجيبة تنشأ فى الجنين فإننا نطلق عليها اسم "الخلايا الجذعية الجنينية" .
خلايا جذعية جنينية
يأتينا سؤال غاضب من بعيد:
هل هذا ما تطلقون عليه خلايا جذعية؟ و ماذا فى ذلك فقد خرجت من رحم أمى و ما عادت الخلايا
الجذعية تنفعني بشيء؟
تمهل قليلا ....ما زالت
الخلايا الجذعية جزء لا يتجزأ من خلاياك و هذا ليس لأنها أصل نشأتك فى الاساس فحسب
و لكن لأنه ما زال بعضها موجود بالفعل في جميع أنحاء جسمك!! و لكن في هذه الحالة نطلق
عليها اسم "الخلايا الجذعية البالغة" و توجد هذه الخلايا فى المخ و العظام
و العضلات و الجلد و حتى في لبن الام !! تكمن أهمية الخلايا الجذعية البالغة في قدرتها
على تجديد الخلايا التالفة في العضو مكان منشأ الخلية أي أن الخلايا الجذعية المتواجدة
في الكبد فقط تقوم على خدمة الكبد و تجديد خلاياه و كذلك الخلايا الجذعية بالبنكرياس
أو الكلى و هكذا بالنسبة لكل عضو و نلاحظ دور الخلايا الجذعية جليا فى حالة التعرض
للجروح أو القطوع في الجلد فتنطلق الخلايا الجذعية لتقوم بترميم القطع و إصلاح التلف .
ملحوظة: نخاع العظم هو
العضو المسئول عن إنتاج خلايا الدم الحمراء فى الجسم، و المسئولة عن حمل غازي الأكسجين
و ثاني أكسيد الكربون في الدم
اذا تكلمنا عن مزيا الخلايا الجذعية فإننا نشير الى ميزتين سحريتين هما
"التكاثر" و "التمايز". الصفة السحرية الاولى هي أن الخلية الجذعية
الواحدة قادرة على ان تتكاثر و تكرر نفسها مكونة نسخا منها مشابهة لها تماما و تتمتع
بنفس خصائص الخلية الاصلية. و بعد قدرتها على التكاثر تأتى الميزة السحرية الثانية
" التمايز". لكى نفهم معنى التمايز لابد أن نعلم أولا أن الخلايا الجذعية
هي خلايا غير متخصصة بمعنى أنها لا تنتمى الى أي نوع معروف من الخلايا فهي ليست خلايا
جلدية أو خلايا عصبية في المخ، هي فقط مثل المادة الخام ليست لها خصائص محددة أو دور
معروف . فعندما نقول ان الخلايا الجذعية تتمايز فأننا نعنى بذلك انها تتخصص لتصبح أحد
أنواع الخلايا المعروفة فأنها تتحول الى خلايا كبدية أو عظمية و هكذا و هنا تتجلى قدرة
الله تعالى فى خلقه حيث يبدأ جسمك بمجموعة من الخلايا الجذعية الغير متخصصة ثم تبدأ
في التخصص الى أعضاء الجسم المختلفة كل عضو له دوره و كل خلية لها وظيفته
قصة المريضة "كلوديا
كستللو".
عانت كلوديا من تلف فى
أحدى قصبيتيها الهوائيتين جراء اصابتها بمرض الدرن (السل) ، و هو ما أدى بدوره إلى
قلة الهواء الداخل الى رئتها، و كما عرفنا من قبل عمليات الزرع ليست هي الحل المثالي.
في نوفمبر 2008 أصبح لدى
كلوديا قصبة هوائية جديدة و الفضل في ذلك يرجع الى الخلايا الجذعية. أخذت القصبة الهوائية
من متبرع متوفى و تم غسلها بمحلول كيميائي للتخلص من كل خلايا المتبرع الأصلي للحد
من تأثير الاجسام المناعية كما ذكرنا سابقا و ما تبقى منه فقط هو الهيكل الكولاجيني
للقصبة و قد أستخدم هذا الهيكل كدعامة. في المرحلة التالية تم استخراج نوعين من الخلايا
من جسم كلوديا نفسه، أولا خلايا جذعية من نخاعها العظمى و ثم تم تحفيز هذه الخلايا
لكى "تتكاثر" و "تتمايز" الى الخلايا المحيطة بالقصبة الهوائية
أما النوع الاخر من الخلايا فهو مجموعة من الخلايا من القصبة الهوائية للمريضة نفسها
و هي خلايا سهلة النمو. تم زرع النوعين المذكورين من الخلايا في الهيكل الكولاجيني
و تركت في حضانة حيوية لفترة ثم أصبحت القصبة الجديدة جاهزة للزرع و بدون أي خوف من
مضاعفات رفض الجسم لها و كانت هذه هي أول عملية زرع ناجحة من نفس خلايا جسم المريضة.
لم يكن هذا أول تنبؤ بنجاح الخلايا الجذعية.
فى أبريل 2007 قام فريق
من الاطباء بقيادة دكتور مجدى يعقوب بإنماء صمام لقلب بشرى باستخدام الخلايا الجذعية.
يبلغ عدد المرضى المحتاجين لعمليات استبدال صمامات قلبية خلال عام 2010 حوالى
600000 مريض. بالتالي نشأت الحاجة الى توفير صمامات قلبية دون اللجوء الى الزرع من
متبرع.
القفزة التالية في ابحاث
الخلايا الجذعية الخاصة بالقلب أن قام فريق من باحثين بمعامل جامعة منيسوتا ببناء قلب
نابض كامل لأحد فئران التجارب. تم بناء هذا القلب بطريقة مشابهة لبناء القصبة الهوائية
لكلوديا كستلو . أخذ قلب من فأر و غسل تمام من كل خلاياه و تبقى فقط هيكل جيلاتينى
حقن به خلايا جذعية لفأر أخر و في خلال أسبوع كان لديهم قلب كامل نابض بالحياة. و تظل
الاضواء مسلطة على أبحاث الفئران حيث تمكن علماء أمريكيون من علاج فئران مشلولة جزئيا
و عودتها للسير مجددا باستخدام خلايا جذعية جنينية . يهدف العلماء الى استخدام الخلايا
الجذعية فى علاج أمراض أخرى مثل مرض السكرى بإعادة انماء خلايا البنكرياس القادرة على
افراز مادة الانسولين من جديد لدى مرضى السكرى.
يواجه العلماء فى أبحاث
الخلايا الجذعية بعض المشكلات مع الخلايا البالغة لأنها ذات قدرات محدودة على التجدد
والتحول الى خلايا متخصصة. لذا يميل العلماء الى استخدام الخلايا الجنينية في أبحاثهم
لأنها ذات قدرات هائلة على التحول و التخصص الى 220 نوع مختلف من الخلايا بسهولة .
و لكن تكمن المشكلة في الناحية الاخلاقية و الاجتماعية حيث انه معنى أخذ خلايا جنينية
هو قتل جنين عمره لا يتعدى 5 أيام. لذا فالمبدأ مرفوض أخلاقيا و مع ذلك يصر العلماء
على أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية و لكنهم يحاولون التملص من جريمتهم الاخلاقية هذه
عن طريق عمليات استنساخ خلايا جنينية في المعمل باستخدام الحمض النووي لنفس جسم المريض
المراد زرع الخلايا فيه و بذلك نحد من عمليات القتل الجائر للأجنة و يطلق على عمليات
الاستنساخ هذه اسم" الاستنساخ العلاجي".
فى أكتوبر 2010 تم إعطاء
الإشارة الخضراء لإجراء أول عملية مصرح بها لاستخدام الخلايا الجذعية الجنينية، من
أجل علاج مريض من إصابة فى الحبل الشوكي أدت به إلى الشلل. بالطبع واجهت هذه العملية
الكثير من الاعتراضات من جهات عديدة أولها الجماعات المعارضة للإجهاض لأن هذه العملية
تقوم على تدمير جنين، كما تعرضت العملية لتأجيلات عديدة إلى أن تمت الموافقة لإجرائها
في أكتوبر الماضي. قام الأطباء بحقن ملايين الخلايا في الحبل الشوكي للمريض آملين أن
تقوم الخلايا بوظيفتها فتعمل على ترميم الخلايا العصبية و تعيد بناء غطائها الخارجي
و من المتوقع أن يستعيد المريض قدرته الحركية في وقت قريب إذ ان فئران التجارب التي
تعانى من الشلل ، قد أجريت لهم نفس العملية و تماثلوا الشفاء فى مدة شهر تقريبا.
على الرغم من زيادة طلب
الباحثين على الخلايا الجنينية، إلا أن آخرين قبلوا التحدي و بدأوا فى تطويع المتاح
من الخلايا لكى تؤدى الغرض دون الحاجة للجوء إلى الخلايا الجنينية المحظورة أو الخلايا
البالغة المحدودة القدرات. من أحدث الأبحاث في هذا المجال، هو بحث أوجد تقنية لتحويل
خلايا جلد إلى خلايا معوية! بعد أخذ شريحة رفيعة من الجلد تعمل هذه التقنية الجديدة
على تحويل الخلايا الجلدية إلى خلايا "محَفزة" تحمل نفس صفات الخلايا الجنينية
من ناحية "التكاثر" و التمايز" تماما، و من هنا تستطيع هذه الخلايا
التحول إلى أي نوع كان ، و بسهولة تتحول إلى خلايا أمعاء دقيقة تستخدم لاستبدال الخلايا
المعطوبة لدى المرضى الذين يعانوا من التهابات في الأمعاء. تكمن الطفرة الحقيقية في
تقنية أخرى توصل إليها علماء كنديين، تقوم بتحويل الخلايا الجلدية إلى خلايا دم مباشرة
دون المرور بمرحلة الخلايا "المحفزة" تلك!! و هي طريقة أسهل و أفضل و يمكنها
أن تحل مشكلة نقص أكياس الدم و علاج أمراض مثل الأنيميا و ووقف الحاجة إلى عمليات زرع
نخاع العظام
.
اذا نظرنا الى الابحاث
الواعدة في مجال الخلايا الجذعية نجد الكثير منها يوحى بالأمل ، ليست كبديل للأعضاء
الحيوية فحسب بل أيضا في التجارب المعملية للعقاقير الطبية بتجربتها على الخلايا الجذعية
بدلا من تجارالفئران أو الانسان. كما أنها تعطي نظرة شاملة عن الكيفية التي تعمل بها
خلايا أجسامنا في الصحة و في الامراض أيضا، كما في حالات الأمراض الوراثية أو التشوهات
الجينية التي من الممكن أن تؤثر على الخلايا فتحولها من خلايا سليمة صحيحة إلى خلايا
سرطانية خبيثة، كل هذا و أكثر تمكننا الخلايا الجذعية من دراسته و استكشافه. و قد تتمكن
الخلايا الجذعية يوم ما من علاج أمراض تستعصى علينا اليوم مثل مرض الزهايمر و السرطان
و مرض باركنسون(الشلل الرعاش).
المحير في أمر الخلايا
الجذعية أن دورها عظيم و اذا كانت تقوم بهذا الدور كاملا داخل جسم الانسان لما احتاج
لعلاج أو زراعة أعضاء من الاساس فلما لا تقوم بدورها التقويمي هذا داخل جسم الانسان
على أكمل وجه؟ فاذا ما تعرض عضو ما الى الخطر فتنطلق لتعالجه و ترمم خلاياه؟ فهذا ما
يحير العلماء و يبحثون من أجل ايجاد حل و هذا الحل يتمثل في "حقنة سحرية"
تعطيها للمريض فتأمر الخلايا الجذعية لكى تنطلق الى العضو المعنى، فتقوم بإصلاح التالف
و تعيد العضو كالجديد مرة أخرى. أصبح هذا الحلم قابل للتحقق فعلا عندما توصل باحثون
بريطانيون إلى دواء يحقن للمريض لكى يحفز الجسم على إنتاج الخلايا الجذعية لكى تقوم
بترميم العظم المكسور و الأربطة المتمزقة أو الخلايا القلبية التالفة. و للخالق حكمته
ففي داخل جسمك ينشأ المرض و من داخل جسمك أيضا ينشأ العلاج من "خلاياك الجذعية".
المصدر:
شذرات عربية2011
00380931313509